کد مطلب:370268 سه شنبه 23 مرداد 1397 آمار بازدید:643

الفصل الأول الخوارج فی العهد الأموی












الصفحة 48












الصفحة 49


فی العهد الأموی:


بعد وفاة وصی رسول الله (صلى الله علیه وآله)، وبعد خروج الأمر من ید ولده الحسن المجتبى (علیه السلام) إلى معاویة بن أبی سفیان بصورة كاملة، أخذ «الخوارج» على عاتقهم مهمة قتال الأمویین بكل عنف وقسوة..


وقد كانت أهم حركاتهم وأخطرها، وأشدها ضراوة هی تلك التی كانت فی عهد بنی أمیة بالذات.. أما بعد ذلك فقد خبا وهجهم، وتقاصر مدهم، وذبلت زهرتهم، كما سنرى.


بین عهدین:


ولا شك فی أن «الخوارج» هم الفرقة المارقة، التی أخبر رسول الله (صلى الله علیه وآله) عن ظهورها..


ولا توجد أیة فرصة لتأویل الأحادیث الواردة فی حقهم، إذ أن الأمر قد حسم منذ بدایة ظهورهم، بسبب الإخبارات الغیبیة التی أعلنها أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی الناس، وظهر صدقها بصورة لا تقبل أی تأویل أو احتمال. خصوصاً فیما یرتبط بحدیث ذی الثدیة. وكونه منهم وفیما بینهم، كما أكدته الأحداث بصورة قاطعة..












الصفحة 50


ولعله لولا هذا وذاك. لما استطاع الكثیرون أن یكتشفوا حقیقتهم، ولما أمكن أن ینقادوا حتى لأمیر المؤمنین (علیه السلام) فی حربهم. أو أن یتوفر لهم التصدیق بضلالهم، والتسلیم بمروقهم من الدین.


لكن الأمر بعد عهد أمیر المؤمنین (علیه السلام) قد خرج عن هذا الإطار، فإن أمر الأمویین كان كالنار على المنار، وكالشمس فی رابعة النهار.


والشعارات الدینیة التی كان «الخوارج» یطلقونها، ووعودهم بإشاعة العدل، وإعلانهم لرفض الظلم، كان من شأنها أن تنعش الآمال لدى الكثیرین، بالتخلص من الظلم المر، ومن الإذلال والقهر، الذی كان یمارس ضدهم فی ظل الحكم الأموی.


ویشیر إلى ذلك ما روی من أن عبد الله بن أبی أوفى حینما علم بقتل الأزارقة لوالد سعید بن جهمان لعنهم، وأخبر سعیداً بقول رسول الله (صلى الله علیه وآله): إنهم كلاب النار.


قال سعید: قلت: الأزارقة وحدهم، أم «الخوارج» كلها؟


قال: بل «الخوارج» كلها.


قال: قلت: فإن السلطان یظلم الناس، ویفعل بهم.


قال: فتناول یدی إلخ(1).


سَبی «الخوارج»:


ورغم أن الأمویین كانوا ملتزمین بسنة عمر فی ما یرتبط بالتأكید على العرق العربی، ومنع السبی للعرب، فإنهم قد خالفوا سنة عمر فی


____________



(1) مسند أحمد ج4 ص382 ومجمع الزوائد ج6 ص232 وج5 باب كیفیة النصح للأئمة فی الخلافة، عن الطبرانی، وأحمد. ورجال أحمد ثقات.













الصفحة 51


ذلك مع «الخوارج»، فسبوا نساءهم وذراریهم، واسترقوهم، ووطأوا نساءهم بملك الیمین. ولم یفعل ذلك بهم علی (علیه السلام)، ولم یكن ذلك هو حكم الله سبحانه فیهم. قالوا: «كانوا یسبون ذراری «الخوارج» من العرب وغیرهم، لما قتل قریب وزحاف الخارجیان سبى زیاد ذراریهما، فأعطى شقیق بن ثور السدوسی إحدى بناتهما، وأعطى عباد بن حصین الأخرى. وسبیت بنت لعبیدة بن هلال الیشكری، وبنت لقطری بن الفجاءة المازنی، فصارت هذه إلى العباس بن الولید بن عبد الملك، واسمها أم سلمة، فوطأها بملك الیمین على رأیهم. فولدت له المؤمل، ومحمداً، وإبراهیم، وأحمد، وحصیناً بن عباس بن الولید بن عبد الملك، وسبی واصل بن عمرو القنا، واسترق. وسبی سعید الصغیر الحروری واسترق الخ..»(1).


جاء الآن ما لاشك فیه:


أما بالنسبة للخوارج أنفسهم، فإن الأمور كانت واضحة جداً لهم، فإنه إذا كان لدیهم شك فی القتال ضد أمیر المؤمنین (علیه السلام) حیث إن مواقفه الرائدة، وجهاده الفذ فی سبیل الله، وفضائله الظاهرة، وكراماته الباهرة، وأقوال رسول الله (صلى الله علیه وآله) فیه ـ قد طبقت الآفاق. فإنهم لا یمكن أن یشكوا فی قتال بنی أمیة. وهم القائلون حینما تولى معاویة الحكم: «قد جاء الآن ما لاشك فیه» كما تقدم.


وقد قال صخر بن عروة: «إنی كرهت قتال علی بن أبی طالب (رضی الله عنه)، لسابقته، وقرابته. فأما الآن، فلا یسعنی إلا الخروج».


____________



(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج15 ص241و242.













الصفحة 52


نقاط ضعف «الخوارج»:


ولكن الملاحظة الجدیرة بالتسجیل هنا هی: أن ما یظهر منهم من شدة وقسوة كثیراً ما یكون من أجل الحصول على شیء من حطام الدنیا، فكانوا یقاتلون على القدح یؤخذ منهم، أو على السوط، الأمر الذی من شأنه أن یظهر حقیقة طموحاتهم، وأنها طموحات إلى أمور دنیویة.


ثم هی طموحات إلى أمور تافهة وحقیرة.


أضف إلى ذلك: أن بعض الأسالیب الشنیعة التی كانوا یمارسونها ضد خصومهم كانت تنفر الناس منهم، وتجعلهم معزولین فی محیطهم الخاص، فلم یكن لهم هیمنة على عواطف الناس، ولا على مشاعرهم.


وكان التأیید الذی ینالونه سرعان ما یتلاشى، ویذهب أدراج الریاح، ولیتحول إلى تأیید التقیة والخوف، الأمر الذی كانت له آثار سلبیة على مسار الحرب مع الأمویین.


وعلینا أن لا ننسى كثرة انقساماتهم، وكون تعالیمهم فیها الكثیر من القسوة والعنف. ولاسیما فیما یرتبط بآرائهم وتعاملهم مع غیرهم، أو مع مرتكب الذنب منهم، أو من الآخرین.. مع شدة مراعاتهم لأهل الأدیان الأخرى.


هذا إلى جانب تأثیر الإغراءات التی كان الأمویون یلوحون بها لزعماء القبائل ولغیرهم من طلاب اللبانات، مع وجود الكثیر من القسوة والاضطهاد، والحرمان من كثیر من الملذات إلى جانب «الخوارج».












الصفحة 53


فكل ما تقدم وسواه قد ضیع على «الخوارج» فرصاً كثیرة وكبیرة فی مواجهتهم لخصومهم من بنی أمیة وبنی العباس، وإن كان الزخم القوی والعارم، كان یغطی أحیاناً الكثیر من حالات النقص الناجم عما ألمحنا إلیه.


«الخوارج» ینهكون الحكم الأموی:


وإن الآثار السیئة التی تركتها حروب «الخوارج» على الحكم الأموی قد جعلت أبا مسلم الخراسانی یتابع انتصاراته على عاملهم نصر بن سیار، فی حین لم یكن مروان الجعدی [الحمار] قادراً على مدّ ید العون له، بسبب انشغاله بحرب «الخوارج» (1). وقد تمكن أبو مسلم بالتالی من القضاء على الحكم الأموی قضاءً مبرماً ونهائیاً.


ومن الملامح لصورة ما جرى نذكر هنا: أن الأزارقة: «بایعوا نافع بن الأزرق، وسموه: أمیر المؤمنین، وانضم إلیهم خوارج عمان، والیمامة، فصاروا أكثر من عشرین ألفاً، واستولوا على الأهواز، وما وراءها من أرض فارس وكرمان، وجبوا خراجها. وعامل البصرة یومئذٍ عبد الله بن الحارث الخزاعی، من قبل عبد الله بن الزبیر»(2).


والضحاك بن قیس أیضاً: «بایعه ماءة وعشرون ألف مقاتل على مذهب الصفریة، وملك الكوفة وغیرها، وبایعه بالخلافة وسلّم علیه بها جماعة من قریش»(3). وقتل سنة 128هـ.


____________



(1) البدایة والنهایة ج10 ص5.


(2) الفرق بین الفرق ص85، والملل والنحل ج1 ص118/119، وفجر الإسلام ص257/258.


(3) جمهرة أنساب العرب ص322 والخوارج والشیعة ص103 وتاریخ الطبری ج6 ص16 وراجع الكامل لابن الأثیر ج5 ص335 ـ 337 وغیرها. والعیون والحدائق ص159.













الصفحة 54


أما نجدة الحروری فقد: «أقام خمس سنین، وعماله بالبحرین، والیمامة، وعمان، وهجر، وطوائف من أرض العرض»(1).


ویقول البلاذری، عن عبد الله بن الزبیر: «أتته الخوارج؛ فظللهم [كذا](2)، وعاب قولهم، حتى فارقه نافع بن الأزرق الحنفی، وبنو ماحوز؛ فانصرفوا عنه، وغلبوا على الیمامة ونواحیها إلى حضرموت، وعامة أرض الیمن»(3).


وعند المعتزلی: «واستولى نجدة على الیمامة، وعظم أمره حتى ملك الیمن، والطائف، وعمان، والبحرین، ووادی تمیم، وعامر»(4).


وقال فلهوزن: «وتكاد جمیع ثورات الخوارج التی نسمع بها فی العصر الأموی المتأخر أن تكون قد خرجت من الموصل، ومن آل بكر»(5).


ولا ریب فی أن سیاسة الحكم الأموی تجاه الناس، قد ساهمت فی إقبالهم على الانخراط فی صفوف الدعوات المناهضة له، ومواجهته بالحرب(6).


وكان «الخوارج» هم الفئة المبادرة فی هذا الاتجاه. فكان الناس یستجیبون لدعواتهم، ویقاتلون تحت لوائهم. حتى لیبلغ عدد جیوش «الخوارج» فی بعض المعارك مئة وعشرین ألفاً، كما هو معلوم..


____________



(1) تاریخ الیعقوبی ج2 ص272/273.


(2) لعل الصحیح: ضللهم أی حكم علیهم بالضلال.


(3) أنساب الأشراف ج4 ص28.


(4) شرح النهج للمعتزلی ج4 ص133.


(5) الخوارج والشیعة ص101.


(6) الخوارج والشیعة ص94.













الصفحة 55


ولا مجال هنا لتفصیل حروبهم وحركاتهم العسكریة ضد الأمویین ولاسیما حروبهم مع المهلب بن أبی صفرة، فإن ذلك یحتاج إلى توفر تام، وتألیف مستقل.


ولكنها كانت حروباً مرتجلة، وغیر قادرة على إسقاط الحكم الأموی، وإرساء قواعد حكم جدید لأكثر من سبب وسبب، كما ربما یتضح فی فصول هذا الكتاب.


غیر أن مما لاشك فیه هو ان هذه الحروب قد أنهكت الحكم الأموی وأثارت أمامه الكثیر من المشكلات، وواجهته بالعدید من العقبات الحقیقیة التی ألحقت الأذى به، وعجلت علیه..


أهل الكتاب یستعملون نفوذهم:


وقد أدرك أحبار أهل الكتاب ممن أظهر الإسلام منهم خطورة ما یواجهه الحكم الأموی، فبادروا منذ اللحظات الأولى إلى مدّ ید العون له، وتأییده، وإضعاف شوكة «الخوارج» باستخدام ما یزعمونه لأنفسهم من هیمنة علمیة وثقافیة، فنجد كعب الأحبار یقول: «للشهید نور، ولمن قاتل الحروریة عشرة أنوار. وكان یقول: لجهنم سبعة أبواب. ثلاثة منها للحروریة. قال: ولقد خرجوا فی زمن داود النبی»(1).


ومن الواضح: أن كعب الأحبار لم یكن لیؤید علیاً (علیه السلام) فی حربه لهم، لأنه لم یكن من محبیه ولا من مؤیدیه. فهو إنما یتحدث بذلك تأییداً لمعاویة وتقویة له.


____________



(1) المصنف للصنعانی ج10 ص155.













الصفحة 56


الأمویون، واسم علی (علیه السلام):


كما أن الملهب بن أبی صفرة، الذی كان یقاتلهم فی العهد الزبیری الأموی قد التجأ إلى رفع شعارات طالما جهد الأمویون والزبیریون معاً على طمسها، والقضاء علیها، حیث نراه یحاول الاستفادة من اسم، وعظمة، وشخصیة، وموقف رجل یعتقد الحكم الأموی والزبیری أیضاً: أن أساس بقائه واستمراره یقوم على محو اسم تلك الشخصیة، وطمس كل فضائلها وكراماتها، ومحاربة كل ما یرتبط بها.. ألا وهی شخصیة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه الصلاة والسلام).


فها نحن نرى المهلب یخطب أصحابه محرضاً لهم على قتال «الخوارج»، فیقول: «.. یا أیها الناس، قد عرفتم مذهب هؤلاء الخوارج...


إلى أن قال: فقاتلوهم على ما قاتل علیه أولهم علی بن ابی طالب (صلوات الله علیه)..»(1).


كما أن المهلب هذا قد قال یوماً لأصحابه: «إن هؤلاء الخوارج قد یئسوا من ناحیتكم إلا من جهة البیات؛ فإن یكن ذلك، فاجعلوا شعاركم: حم، لا ینصرون؛ فإن رسول الله (صلى الله علیه وآله) كان یامر بها..


ویروى: أنه كان شعار أصحاب علی بن أبی طالب (علیه السلام)..»(2).


____________



(1) الكامل للمبرد ج3 ص315 وشرح النهج ج4 ص148.


(2) شرح النهج للمعتزلی ج4 ص153













الصفحة 57


وروى ابن درید: أن شعار أصحاب علی (علیه السلام) یوم الجمل، كان: «حم، لا ینصرون»(1).


وقد روی: أنه قیل لعبید الله بن زیاد، بعد موت یزید، وأفول نجمه: ندمت على ما كان منك، من قتلك الخوارج، من أهل البصرة بالظنة والتوهم؟


فقال: «.. وأما قتلی من قتلت من الخوارج؛ فقد قتلهم قبلی من هو خیر منی علی بن أبی طالب (رضی الله عنه)»(2).


فتراه یحتج لصواب فعله، بفعل العدو الألد له ولكل أسیاده، ومن كانوا یجهدون لطمس كل فضیلة له، وتشویه سمعته، ومحو آثاره، ألا وهو أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام).


«الخوارج».. وقریش.. وخزاعة..:


وملاحظة هامة، لابد منها هنا، هی:


أن عبد المطلب كان قد عقد مع خزاعة حلفاً، بقی النبی (صلى الله علیه وآله) یعمل على الوفاء به. كما أن خزاعة قد كانت عیبة نصح لرسول الله (صلى الله علیه وآله)..


وبسبب نقض قریش لصلح الحدیبیة، بالاعتداء على خزاعة، كان فتح مكة، فبقیت قریش تحقد على خزاعة بسبب ذلك كله أشد الحقد..


وقد قال معاویة: «إن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلنی، فضلاً عن رجالها فعلت»(3). وقد استمر هذا الحقد عشرات السنین، ففی سنة 130


____________



(1) الاشتقاق ص145.


(2) الأخبار الطوال ص284و285.


(3) صفین للمنقری ص247.













الصفحة 58


هجریة حین هاجم أبو حمزة الحروری بلاد الحجاز: «اتهمت قریش خزاعة أن یكونوا داهنوا علیهم الحروریة..»(1).


وعلى حد تعبیر أبی الفرج حول مهاجمة أبی حمزة لجمع الناس فی قدید: «زعم بعض الناس: أن خزاعة دلت أبا حمزة على عورتهم، وأدخلوهم علیهم، فقلتوهم. وكانت المقتلة على قریش، وهم كانوا أكثر الناس، وبهم كانت الشوكة الخ»(2).


وفی نص آخر: إن أبا حمزة حینما واقع أهل المدینة بقدید، وقتل وأسر منهم الكثیرین: «كان إذا رأى رجلاً من قریش قتله، وإذا رأى رجلاً من الأنصار أطلقه»(3).


ویذكرون أیضاً أن عتبان بن وصیلة یخاطب عبد الملك، فیقول:


 













فإنك إلاّ ترض بكر بن وائل یكن لك یوم بالعراق عصیب
فلا ضیر إن كانت قریش عدىً لنا یصیبون منا مرة، ونصیب



كما أن شاعراً آخر منهم یفتخر بتحقیق النصر على قریش، فیقول:


 









ألم تر أن الله أنزل نصره وصلّت قریش خلف بكر بن وائل



ولعل ذلك یرجع إلى: أن «الخوارج» الیمانیة القحطانیة قد قویت شوكتهم، ولأن الأنصار محبّی علی (علیه السلام)، وأنصاره كانوا یمانیة قحطانیة أیضاً مثلهم. أما قریش فكانت عدنانیة.


____________



(1) تاریخ الیعقوبی ج2 ص339 وتاریخ الأمم والملوك ج6 ص58 والكامل لابن الأثیر ج5 ص389 والأغانی [ط ساسی] ج20 ص100.


(2) الأغانی ـ ط ساسی ج20 ص100 والعقود الفضیة ص201.


(3) شرح النهج للمعتزلی ج5 ص113 والأغانی ج20 ص102 والعیون والحدائق ص169.













الصفحة 59


هذا بالإضافة إلى أنهم: كانوا ینفسون على قریش نفوذها وشوكتها، وما لها من اعتبار، ثم ما استأثرت به لنفسها من امتیازات سیاسیة، واجتماعیة، واقتصادیة بصورة عامة.


ولأن الأمویین كانوا من قریش ـ نعم ولأجل ذلك كله ـ صب أبو حمزة جام غضبه على قریش حینما خرجت لحربه..


ومن جهة ثانیة نلاحظ: أن الیمانیة فی مصر كانوا على خلاف یمانیة المدینة، حیث یقال: «إن یمانیة مصر كانوا یمالئون معاویة، وعمرو بن العاص، فبلغ ذلك علیاً (علیه السلام) الخ..»(1).


وربما یكون سبب ذلك هو: أن أنصار الرسول قد سمعوا من الرسول ما قاله فی علی (علیه السلام)، كما أنهم قد عاشوا مع علی وعرفوه، ورأوا كراماته وفضائله عن كثب.. فأحبوه، وأیدوه، وكانوا معه فی سلمه وحربه، بخلاف یمانیة مصر.


وهكذا كان الحال بالنسبة لربیعة الیمن فإنها هی وقبائل بنی تمیم كانت تنفس على قریش الخلافة والسلطان ـ كما سنرى ـ مع أن قبائل ربیعة كانت إلى جانب علی (علیه السلام) فی حرب صفین، وقد أثنى علیهم أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وهذا یدل على أن الذین كانوا موضع الثناء من أجل الولاء هم من عدا سكان الجزیرة، وبعض الیمن ومن ربیعة.


فی العهد العباسی:


ولم یكن نصیب العباسیین من «الخوارج» بأقل من نصیب أسلافهم الأمویین، حیث حاربهم «الخوارج» فی عدد من المناطق.


____________



(1) تاریخ الیعقوبی ج2 ص194.


 


 













الصفحة 60


فقد حاربوهم فی عمان سنة 134هـ وقتل منهم العباسیون عشرة آلاف.


ثم حاربوهم فی الجزیرة سنة 137هـ.


وفی نواحی الموصل سنة 148هـ.


وفی خراسان سنة 160هـ.


وفی الموصل والجزیرة سنة 168هـ حیث خرج فیها یسر التمیمی، واستولى على أكثر دیار ربیعة، وعلى الجزیرة.


ثم خرج بالجزیرة سنة 169هـ حمزة بن مالك الخزاعی.


وخرج الصحصح بالجزیرة، واستولى على أكثر دیار ربیعة. فوجه إلیه الرشید من قتله سنة 171هـ.


وفی سنة 178هـ خرج الولید بن طریف بالجزیرة، فقتله یزید بن مزید(1).


وقد كانت ثورته قویة، ومخیفة للحكم العباسی. حتى قال مسلم بن الولید الأنصاری، یمدح یزید بن مزید الذی كان یكنى فی الحرب بأبی الزبیر ـ یمدحه على انتصاره على الولید:


 









لولا سیوف أبی الزبیر وخیله نشر الولید بسیفه الضحاكا



وفیه یقول:


 









لولا یزید وأیام له سلفت عاش الولید مع الغاوین أعواما



الأبیات(2).


____________



(1) راجع ضحى الإسلام، ج3 ص337ـ339 وتاریخ ابن خلدون ج3 ص167ـ169.


(2) البیان والتبیین، ج1 ص342 وراجع: وفیات الأعیان ج6 ص328.













الصفحة 61


ویذكر من ثورات «الخوارج» هنا أیضاً: «أتباع حمزة بن أكرك، الذی عاش فی سجستان، وخراسان، ومكران، وقهستان، وهزم الجیوش الكثیرة.. إلى أن قال: وكان ظهوره فی أیام هارون الرشید، سنة تسع وسبعین وماءة. وبقی الناس فی فتنته إلى أن مضى صدر من أیام خلافة المأمون»(1).


نعم.. وقد حكم «الخوارج» ـ ولاسیما الإباضیون منهم ـ بعض البلاد مدداً طویلةً نسبیاً، أو قصیرة، ومن ذلك سیطرتهم على عسكر مكرم، فی كرمان، وحضرموت، وعمان، والیمن، وغیر ذلك مما تقدم. ومن أراد الاطلاع على المزید فعلیه بمراجعة كتب التاریخ وغیرها.


قال ابن خلدون: «وانقرضت كلمة هؤلاء بالعراق والشام، فلم یخرج بعد ذلك إلا شذاذ متفرقون، یستلحمهم الولاة بالنواحی، إلا ما كان من خوارج البربر بأفریقیة الخ..»(2).


وقال المسعودی: «خرج منهم بدیار ربیعة على بنی حمدان، وذلك فی سنة ثمان عشرة وثلاثمائة. وهو المعروف بعرون، وخرج ببلاد كفرتوتی، وورد إلى نصیبین، فكانت له مع أهلها حرب أسر فیها وقتل منهم خلق عظیم..


والمعروف بأبی شعیب، خرج فی بنی مالك وغیرهم من ربیعة، وقد كان أدخل على المقتدر بالله.


____________



(1) الفرق بین الفرق ص98ـ99.


(2) تاریخ ابن خلدون ج3 ص169.













الصفحة 62


وقد كان بعد العشرین والثلاثمئة للإباضیة ببلاد عمان مما یلی بلاد بروى وغیرها حروب، وتحكیم، وخروج، وإمام نصبوه؛ فقتل، وقتل من كان معه..»(1).


هذا.. ویعدون فی جملة ثورات «الخوارج» فی العهد العباسی ثورة صاحب الزنج التی استمرت حوالی أربعة عشر عاماً، وقالوا: إن قائد الثورة، وهو علی بن محمد كان خارجیاً أزرقیاً(2).


ولكن الظاهر هو: أن ذلك غیر دقیق؛ فإن هؤلاء إنما ثاروا بسبب الظلم الذی حاق بهم، لا من جهة قولهم بمقالة «الخوارج».. وقد اختلف فی رئیسهم. وقد وصل نسبه بعلی (علیه السلام). وربما یقال بأنهم إسماعیلیة. وقد تكون نسبتهم إلى الأزارقة تهدف إلى تهجین أمرهم، وحمل الناس على تصدیق ما ینسبونه إلیهم من أنهم قد ارتكبوا جرائم بشعة لا یرتكبها إلا الأزارقة من «الخوارج»، فنسبوهم إلى هذه النحلة من أجل ذلك.


«الخوارج» فی الشمال الأفریقی:


قال ابن خلدون بالنسبة لـ: «خوارج البربر بإفریقیة؛ فإن دعوة الخارجیة فشت فیهم، من لدن مسیرة الظفری سنة ثلاث وعشرین وماءة، ثم فشت دعوة الإباضیة والصفریة منهم فی هوارة، ولمایة، ونغزة، وفعیلة، وفی مغراوة، وبنی یفرن من زناته، حسبما یذكر فی أخبار البربر لبنی رستم من «الخوارج» بالمغرب دولة فی تاهرت من الغرب الأوسط نذكرها فی أخبار البربر أیضاً.


____________



(1) مروج الذهب للمسعودی ج3 ص139.


(2) راجع: إسلام درایران ص67.













الصفحة 63


ثم سار بإفریقیة منهم على دولة العبیدیین خلفاء القیروان أبو یزید بن مخلد المغربی. وكانت له معهم حروب وأخبار نذكرها فی موضعها.


ثم لم یزل أمرهم فی تناقص إلى أن اضمحلت دیانتهم، وافترقت جماعتهم، وبقیت آثار نحلتهم فی أعقاب البربر الذین دانوا بها أوّل الأمر، ففی بلاد زناتة بالصحراء منها أثر باق لهذا العهد فی قصور ربع ووادیه وفی مغراوة من شعوب زناته ویسمعون الراهبیة»(1). نسبة إلى عبد الله بن وهب الراهبی أول من بویع منهم أیام علی بن أبی طالب. وهم فی قصور هنالك مظهرین لبدعتهم لبعدهم عن مقال أهل السنة والجماعة. وكذلك فی جبال طرابلس وزناته أثر باق من تلك النحلة، یدین بها أولئك البربر فی مجاورة لهم مثل ذلك(2).


وقالوا أیضاً: «وقد دخل مذهب الخوارج إلى المغرب فی النصف الأول، من القرن الثانی الهجری فی صورة الإباضیة والصفریة. وانتشر بسرعة بین البربر، حتى أصبح المذهب القومی لهم»(3).


ویقول هنری ماسیه: «.. وفی أیام آخر الخلفاء الأمویین كان الصفریة منتشرین فی جمیع بلاد الإسلام، بما فی ذلك المغرب؛ حیث آزروا الإباضیة فی ثورة البربر العامة»(4).


وقد ثار «الخوارج» فی المغرب [تونس وما حولها]، من صفریة وإباضیة، وانضم كثیر من البربر إلى «الخوارج»، واستولى «الخوارج» على


____________



(1) لعل الصحیح: الواهبیة او الوهبیة نسبة إلى عبد الله بن وهب الراسبی. كما هو الصحیح والراهبی تصحیف.


(2) تاریخ ابن خلدون ج3 ص169.


(3) دائرة المعارف الإسلامیة ج1 ص13.


(4) الإسلام ص187.













الصفحة 64


القیروان.. حتى أخرجها [أخرجهم منها] منهم یزید بن حاتم بن قبیصة، الذی أرسله المنصور العباسی، وقتلهم، بعد معارك دامت نحو خمسة عشر سنة.


وقد قیل: إن مجموع المعارك التی دارت بین «الخوارج» من لدن ظهورهم إلى أن قضی علیهم قد بلغت نحواً من [375] معركة(1).


ویقولون أیضاً: «.. وقد تنازع الصفریة والإباضیة على القیروان، التی كان یحكمها رجل إباضی، اسمه ابن رستم، وبعد ذلك بقلیل استولى الخوارج على أفریقیا الشمالیة كلها، ولم یتوصل العباسیون إلى إقرار النظام إلا فی عام 772 میلادیة»(2).


كما أن بعض أسر «الخوارج»: «قد حكمت تاهرت لأكثر من [130] عاماً، حتى أزالهم الفاطمیون، فتفرقوا فی صحراء تونس، والجزائر، وجربا. ولا یزالون یعیشون فی هذه المناطق حتى الآن»(3).


ویقول ألفرد بل: «.. ومن ناحیة أخرى، عاشت دویلات صغیرة بربریة خارجیة، بعد هزیمة سنة 124هـ. وأمكن قیامها فی النواحی الأقل تعرضاً لضربات الولاة العرب، مثال ذلك المملكة الصفریة، التی لم تعش إلا قلیلاً جداً، والتی أنشأها أحد البربر، وهو أبو قرة فی منطقة تلمسان وملویة، أو دولة بنی مدرار فی تافیلالت التی عاشت أطول منها»(4).


____________



(1) ضحى الإسلام ج3 ص338/339.


(2) الإسلام ص188.


(3) راجع: دائرة المعارف الإسلامیة ج1 ص13 والإسلام تألیف هنری ماسیه ص188 ومعجم البلدان ج2 ص8 والفرق الإسلامیة فی الشمال الأفریقی ص149.


(4) الفرق الإسلامیة فی الشمال الأفریقی ص149.













الصفحة 65


هذا ویلاحظ: أن مسلمی الجزائر: «لا یختلطون بالمسلمین من أهل السنة إلا لضرورات تجارتهم النافعة، وقلّما یصاهرون أهل السنة؛ لأن هذا الزواج مما تبرأ منه الجماعة»(1).


البربر.. و«الخوارج»:


ولعل تمكن «الخوارج» من النفوذ إلى بلاد المغرب، أو بالأحرى إلى الشمال الأفریقی بصورة عامة، هو لأنهم تمكنوا من النفوذ إلى البربر، الذین أعانوهم على السیطرة على القیروان..


ولعل ذلك یرجع إلى أسباب عدیدة، أهمها: وجه الشبه الكبیر الذی كان قائماً فی ذلك الحین بین البربر و«الخوارج» فی عقلیتهم، وظروف ونمط حیاتهم، ووضعهم الثقافی العام..


یقول یاقوت ـ وإن كان فی كلامه تحامل شدید، یصل إلى حد الشتم والسباب ـ: «.. البربر أجفى خلق الله، وأكثرهم طیشاً، وأسرعهم إلى الفتنة، وأطوعهم لداعیة الضلالة، وأصغاهم لنمق الجهالة.


ولم تخل جبالهم من الفتن وسفك الدماء قط.


ولهم أحوال عجیبة، واصطلاحات غریبة. وقد حسّن لهم الشیطان الغوایات، وزین لهم الضلالات، حتى صارت طبائعهم إلى الباطل مائلة، وغرائزهم فی ضد الحق جائلة؛ فكم من ادّعى فیهم النبوة، فقبلوا. وكم زاعم فیهم أنه المهدی الموعود به؛ فأجابوا داعیه، ولمذهبه انتحلوا. وكم ادّعى فیهم من مذاهب «الخوارج»؛ فإلى مذهبهم بعد الإسلام


____________



(1) المصدر السابق ص150 ودائرة المعارف الإسلامیة ج8 ص470.













الصفحة 66


انتقلوا.. ثم سفكوا الدماء المحرمة، واستباحوا الفروج بغیر حق، ونهبوا الأموال، واستباحوا الرجال..»(1).


وهذه الصفات ـ عموماً ـ هی بعینها من ممیزات «الخوارج»، وخصائصهم، كما سنرى..


إلا أننا نعتقد أن السبب الأهم فی فشوّ مذهب «الخوارج» بین البربر، هو سذاجة البربر، وسطحیتهم، ثم الشعارات البراقة، التی كان «الخوارج» یرفعونها، باسم الدین والإسلام، كما أن لظروف البربر أثراً فی ذلك أیضاً.. ولأجل ذلك رأینا: أنه بعد ظهور الفاطمیین كان البربر وكتامة، الذین تشیعوا ـ كانوا ـ دعامة حكم الفاطمیین، ولعل بعض الحملات التی وجهها إلیهم یاقوت آنفاً، وغیره سببها هذا الأمر فیهم.


كما أننا نرى البعض یشیر هنا: إلى المعاملة السیئة، التی كان البربر یعانون منها، من قبل الحكم الأموی، قد سهّل لدعوة «الخوارج» بشعاراتها البراقة، أن تجد السبیل إلى نفوسهم، بیسر وسهولة(2).


خارجی یحكم مصر:


ورغم أن «الخوارج» لم یكن لهم ذلك الانتشار الكبیر فی مصر، إلا أن بعض من ینسب إلیهم قد استطاع أن یصل لأعلى المراتب فیها، یقول ابن حزم؛ عن عنبسة بن إسحاق، الذی ولی مصر فی زمن المتوكل أربع سنین:


____________



(1) معجم البلدان ج1 ص369 وراجع: المهدیة فی الإسلام ص185.


(2) تاریخ الشعوب الإسلامیة ص158/159.













الصفحة 67


«.. وكان یتهم بمذهب الخوارج، لشدة عدله، وتحریه للحق، وهو آخر من ولی مصر..»(1).


____________



(1) جمهرة أنساب العرب ص204.













الصفحة 68












الصفحة 69